مصر تنضم إلى الخلافة العثمانية
8 من محرم 923هـ = 31 من يناير 1517م
يرتبط هذا التاريخ بدخول العثمانيين مدينة القاهرة ونهاية الدولة المملوكية في مصر والشام، وهي الدولة التي كانت تحتضن الخليفة العباسي وتحكم مصر والشام باسمه، وبسقوط المماليك سقط الخليفة العباسي وأصبحت مصر إحدى الولايات التابعة للخلافة العثمانية.
معركة "مرج دابق:1516" مقدمة الدخول إلى مصر:
لقد كان فتح العثمانيين لمصر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بفتح الشام وذلك لأن مصر والشام كانتا خاضعتين للدولة المملوكية، وعندما أراد العثمانيين ضم مصر والشام كان عليهما إخضاع الدولة المملوكية إليهم ، فكانت شرارة الحرب بين العثمانيين والمماليك ، وبالفعل اشتعلت الحرب بين العثمانيين والمماليك فزحف السلطان سليم على الشام ، ونجح في كسب بعض أعوان "الغوري" مثل "خاير بك" نائب السلطان في حلب و"جان بردي الغزالي" نائبه في حماه وبسبب هذه الخيانة واستعمال الجيش العثماني للمدفعية الثقيلة انهزمت القوات المملوكية في مرج دابق 1516م وفيها قتل "قنصوه الغوري"
..وبعد ذلك دخل "سليم" حلب وانحاز إليه الخليفة العباسي "المتوكل على الله" مما شجع السلطان على مواصلة الزحف إلى مصر، وأخذت بقية مدن الشام تسقط تباعاً في يده متجهاً صوب مصر.
وفي مصر أنزل السلطان سليم الهزيمة بالسلطان المملوكي الجديد "طومان باي" عند الريدانية في صحراء العباسية في 23 يناير 1517م ودخل العثمانيين القاهرة وصار يُخْطَب للسلطان سليم في مساجدها، وبعد دخول القاهرة أبدى "طومان باي" ومن التف حوله من المماليك والعربان وأفراد الشعب مقاومة للعثمانيين سواء في القاهرة ذاتها، أو في الصعيد، ومع ذلك فإن النصر في النهاية كان حليف العثمانيين وقبض على "طومان باى" ، وكان سليم معجباً به وبشجاعته لدرجة أنه فكر في الإبقاء على حياته لولا أن "خاير بك" و"جان بردي الغزالي" أثارا مخاوفه من احتمال قيام طومان باى بثورة في مصر تؤدي إلى طرد العثمانيين؛ فأعدم شنقاً على باب زويلة في 23 أبريل 1517م ، وبذلك أصبحت الشام ومصر من الممتلكات العثمانية وعين "سليم" "جان بردي الغزالي" والياً على الشام، و"خاير بك" والياً على مصر فكان ثاني والي من قبل العثمانيين إذ وليها قبله ولفترة قصيرة "يونس باشا" العثماني .
كيف أدار العثمانيون البلاد؟
بعد أن تم السلطان سليم فتح مصر وضع لأدارتها نظاماً يكفل بقاء خضوعها وعدم استقلال أحد فيها بأمرها ، حيث جعل مقاليد حكم مصر في ثلاث سلطات حيث إذا طمع إذا طمع إحداهما في الحكم كان أمامه الاثنان..!
- وكانت الثلاث سلطات هي كالأتي :-
1- السلطة الأولي :- الوالي :- وأهم أعمالة إبلاغ الأوامر التي ترد علية من السلطان إلى عمال الحكومة ومراقبة تنفيذها .
2- السلطة الثانية :- جيش الحامية :- وقد كونه السلطان سليم من ست فرق ونصب علية قائداً يقيم في القلعة ، وجعل كل فرقة ستة من الضباط، وشكل من هؤلاء الضباط مجلساً يساعد الوالي في إدارة شئون البلاد ، وجعل لهذا الديوان الحق في رفض مشروعات الوالي إذا لم ير فيها مصلحة .
3- السلطة الثالثة :- المماليك :- نصب كل واحد منهم على سنجق من الأربعة والعشرين مديرية التي تتكون منها البلاد ، وكان هؤلاء الرؤساء من المماليك يعرفون بالبكوات وتسمى مديرياتهم سناجق .
ولما انقضي حكم السلطان سليم في سنة 926هـ - 1520م وخلفه السلطان سليمان القانوني أنشأ مجلسين آخرين يعرفان بالديوان " الأكبر " و " الأصغر " ، يجتمع أولهما عند التحدث في الشئون الخطيرة ، ويجتمع الثاني كل يوم ، وأعضاء الأول من رجال الجيش والعلماء معاً، وأضاف سليمان أيضاً فرقة سابقة إلى الجيش ضم إليها عتق المماليك ، فبلغ بذلك جيش الحامية نحو 20 ألف جندي .
وذلك هو النظام الذي وضعه العثمانيون لإدارة مصر، وقد بقيت هذه السياسة ناجحة نحو قرنين من الزمان، إلى أن أخذت الدولة العثمانية في التقهقر، وزحفت النمسا وروسيا على حدودها الشمالية، فضعف – بضعفها - نفوذها في مصر، وانتقلت السلطة الحقيقية إلى أيدي المماليك .
وهنا لابد أن نتذكر كيف ولماذا سقطت الدولة العثمانية بعد أن وصل منحنى صعودها على قمته عندما كانت تحكم قبضتها على نصف الكرة الأرضية، وبعد ما كانت مهيبة الجناب عند ملوك الأرض؟
بين النهوض والسقوط سننٌ ماضية في الدول الإسلامية
..فالدولة العثمانية جرى عليها ما جرى على غيرها من تعاقب الأحوال، والأطوار المختلفة، فبدأت فتيّة، ثم قويت أكثر فأكثر، وكانت أحوالها في مراحلها الأولى مما يُحمد في الجملة، وكان عمادها إذ ذاك قائما على حكم الشرع، والعمل بهديه الشريف، ثم أصابها ما أصاب الأمم والممالك من قبلها: من الركون إلى الدنيا، والتعدي على حدود الله، وارتكاب ما حرم الله؛ فدب الضعف في أوصالها، ولا يزال أمرها في انحطاط باجتماع أسباب الضعف والوهن عليها.
يقول الدكتور محمد الصلّابي في كتابه: (الدولة العثمانية عوامل النهوض، وأسباب السقوط): "إنّ الدولة العثمانية في بداية أمرها كانت تسير على شرع الله في كل صغيرة وكبيرة، ملتزمة بمنهج أهل السنة في مسيرتها الدعوية والجهادية، آخذة بشروط التمكين وأسبابه كما جاءت في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، أما في أواخر عهدها فقد انحرفت عن شروط التمكين، وابتعدت عن أسبابه المادية والمعنوية". اهـ.
وقال أيضا: "إن أسباب سقوط الدولة العثمانية كثيرة، جامعها هو الابتعاد عن تحكيم شرع الله تعالى الذي جلب للأفراد والأمة تعاسة وضنكاً في الدنيا، وإن آثار الابتعاد عن شرع الله لتبدو على الحياة في وجهتها الدينية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، وإن الفتن تظل تتوالى تترى على الناس حتى تمس جميع شؤون حياتهم؛ قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة، أو يصيبهم عذاب أليم} (سورة النور: 63) ". اهـ.
وذكر من جملة أسباب السقوط: "انتشار مظاهر الشرك، والبدع، والخرافات، وقال: إن الدولة العثمانية في القرنين الأخيرين كانت غارقة في كثير من مظاهر الشرك، والبدع، والخرافات، وحدث انحراف في توحيد الألوهية انحرافاً رهيباً، وغشيها موج من الظلام، والجهل حجب عنها حقيقة الدين، وطمس فيها نور التوحيد، وعدل بها عن صراطه المستقيم".
فلتبقَ القاعدة ..
حتى تعود أمة الإسلام إلى قيادة العالم، وريادة نهضته؛ لابد من رجوعٍ صادق إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع المنهج النبوي في بناء الفرد والأسرة والمجتمع، وهذا هو منهج التغيير الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، والتخلص من أسباب الضعف السابق ذكرها، وهذا هو واجب الوقت على كل مسلم بما يطيق،
نسأل الله لنا جميعاً التوفيق والسداد.
اعلان 1
اعلان 2
0 التعليقات :
إرسال تعليق