اعلان (728 x‏ 90)

تابعنا

ما رأيك فى موضوعات المدونة؟؟

اخر التعليقات

الاثنين، 22 سبتمبر 2014

الفصل الثاني من مقال (لا لتكفير المسلمين ) بقلم الشيخ الدكتور عبد الآخر حماد مفتي الجماعة الاسلامية



لا لتكفير المسلمين


الفصل الثاني
"مسألة تكفير المعين"

بقلم : الشيخ الدكتور /عبد الآخر حماد مفتي الجماعة الاسلامية

قد دلت نصوص الشرع الحنيف على أن من الأعمال والأقوال والاعتقادات ما هو كفر أكبر مخرج من الملة ، وعلى المسلم أن يعتقد أن من وقع في شيء من ذلك ممن ينتسب إلى الإسلام قد وقع في الكفر والعياذ بالله ، لكن ذلك لا يستلزم الحكم على كل من وقع في شيء من ذلك بأنه كافر ؛ إذ قد يكون الشخص حديث عهد بإسلام أولم تبلغه النصوص الموجبة لكفر من أتى هذه الأفعال والأقوال ، فلذلك لا بد في الحكم على الشخص المعين بالكفر من توفر شروط وانتفاء موانع ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرًا ، فيطلق القول بتكفير صاحبه ، فيقال من قال كذا فهو كافر ، لكن الشخص المعين الذي قاله لا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها ) إلى أن قال : ( وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها )([1]).

ومن أهم الأمور التي تمنع من تكفير المعين ثلاثة أمور : الجهل والتأويل والإكراه

1- فأما الجهل ، فإن الله تعالى يقول : " لأنذركم به و من بلغ "([2]) . فبين سبحانه أن الإنذار لا يتم إلا بالبلاغ ، وقال : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا "([3]) ، قال الإمام ابن تيمية : ( إن الكتاب والسنة قد دل على أن الله لا يعذب أحدًا إلا بعد إبلاغ الرسالة ، فمن لن تبلغه جملة لم يعذبه رأسًا ، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية )([4]).

ومن أدلة العذر بالجهل أيضًا ما أخرجه البخاري ومسلم عن المغيرة قال : " قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربتُه بالسيف غير مُصفح ، فبلغ ذلك رسول الله صل الله عليه وسلم فقال : تعجبون من غيرة سعد ، والله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة "([5]) .

قال النووي : ( فالعذر هنا بمعنى الإعذار والإنذار قبل أخذهم بالعقوبة ، ولهذا بعث المرسلين كما قال سبحانه وتعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا " ... )([6]).
ومن أدلة العذر بالجهل أيضًا قصة الرجل الذي قال لأهله : " إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ، ثم ذروني في اليم ، فوالله لئن قدر الله عليَّ ، ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا من العالمين ، فأمر الله البر برد ما أخذ منه ، والبحر برد ما أخذ منه ، وقال ما حملك على ما صنعت ؟ قال خشيتك يا رب ، فغفر الله له "([7]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري ، بل اعتقد أنه لا يعاد ، وهذا كفر باتفاق المسلمين لكن كان جاهلًا لا يعلم ذلك وكان مؤمنًا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك )([8]).

وهناك من المعاصرين من يرى أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية مقصود به فقط العذر بالجهل في المسائل الخفية كالمسائل المتعلقة بصفات الباري سبحانه ، وأما المسائل الظاهرة كمسائل الشرك الأكبر فلا يعذر فيها بالجهل ، وأقول : إن الصواب أن أدلة العذر بالجهل التي سقنا بعضها عامة تشمل الشرك الأكبر وما دونه ، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام واضح في عذر من وقع في شيء من الشرك الأكبر جاهلًا وذلك حيث يقول : ( ونحن نعلم بالضرورة أنه صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن تدعو أحدًا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم ، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها ، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها ، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك ، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور ، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله ، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم مما يخالفه )([9]).

ونحن لا نماري في أن إنكار ما هو معلوم من الدين بالضروة كفر أكبر ، وأن لأهل العلم أن يحكموا بكفر من علموا أنه قد أنكر شيئًا من ذلك أو خالف في شيء من الأمور الظاهرة المعلومة للكافة كما سيأتي ، لكنَّ كونَ الشيء ظاهرًا أو خفيًا هو من الأمور النسبية التي قد تختلف من زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ، فلا يصح التسرع في اعتبار أمر ما من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة ، بل لا بد من التثبت من ذلك ؛ قال الإمام ابن القيم : ( إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص ، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان ، وفي بقعة وناحية دون أخرى ، كما أنها تقوم على شخص دون آخر ، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون ، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له )([10]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وكذلك كون العلم ضروريًا ونظريًا والاعتقاد قطعيًا وظنيًا أمور نسبية فقد يكون الشيء قطعيًا عند شخص وفي حال وهو عند آخر وفي حال أخرى مجهول فضلًا عن أن يكون مظنونًا ، وقد يكون الشيء ضروريًا لشخص وفي حال ونظريًا لشخص آخر وفي حال أخرى )([11]). والمقصود من ذلك أن ما يكون معلومًا من الدين بالضرورة في مكان أو زمان ما قد لا يكون معلومًا بالضرورة في مكان آخر أو زمان آخر .

ولذلك يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - : ( وهذه المسألة - أعني مسألة العذر بالجهل- مسألة عظيمة شائكة ، وهي من أعظم المسائل تحقيقًا وتصويرًا ، فمن الناس من أطلق وقال : لا يعذر بالجهل في أصول الدين كالتوحيد ، فلو وجدنا مسلمًا في بعض القرى أو البوادي النائية يعبد قبرًا أو وليًا ، ويقول : إنه مسلم ، وإنه وجد آباءه على هذا ولم يعلم بأنه شرك فلا يعذر . والصحيح أنه لا يكفر ؛ لأن أول شيء جاءت به الرسل هو التوحيد ، ومع ذلك قال تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا "([12]) , فلا بد أن يكون الإنسان ظالمًا ، وإلا فلا يستحق العذاب ) . إلى أن قال رحمه الله : ( وبناءً على هذا يتبين حال كثير من المسلمين في بعض الأقطار الإسلامية الذين يستغيثون بالأموات ، وهم لا يعلمون أن هذا حرام ، بل قد لُبِّس عليهم أن هذا مما يقرب إلى الله ، وأن هذا وليٌ لله وما أشبه ذلك ، وهم معتنقون للإسلام ، وغيورون عليه ، ويعتقدون أن ما يفعلونه من الإسلام ، ولم يأت أحد ينبههم ، فهؤلاء معذورون ، لا يؤاخذون مؤاخذة المعاند الذي قال له العلماء : هذا شرك ، فيقول : هذا ما وجدت عليه آبائي وأجدادي ، فإن حكم هذا الأخير حكم من قال الله تعالى فيهم : " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون "([13])..... )([14]).

2- التأويل : فمن وقع في الكفر متأولًا لا يكفر حتى يبين له وجه الخطأ في تأويله ، كما في قصة قدامة بن مظعون - رضي الله عنه - لما شرب الخمر متأولًا قوله تعالى : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات "([15]) ، فقال له عمر - رضي الله عنه - : ( أخطأت التأويل إنك إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله عليك ، ثم جلده )([16]).
 فقد وقع الاستحلال من هذا الصحابي رضي الله عنه فلم يكفره عمر رضي الله عنه لأجل الشبهة التي عرضت له .

وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته ؛ لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول - صل الله عليه وسلم - ظاهرة بينة ، ولكنه لم يكن يكفر أعيانهم ، بدليل أنه لم يكفر الذين عذبوه من ولاة الأمور في عصره من أجل حمله على القول بقول الجهمية في أن القرآن مخلوق ، بل ترحم عليهم واستغفر لهم ، لعلمه بأنهم لم يبين لهم أنهم مكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا جاحدون لما جاء به ولكن تأولوا فأخطؤوا ، وقلدوا من قال لهم ذلك ([17]).


3- الإكراه : فمن أُكره على قول الكفر أو فعله لم يكفر بعينه ، كما قال تعالى : " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون * من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم "([18]).





تنبيه : خطأ من قال بعدم جواز تكفير المعين بإطلاق :
لا يفهم مما ذكرناه أننا نقول : إنه لا يجوز تكفير المعين أبدًا وإنْ فعل ما فعل ، بل ذلك قول باطل لا سند له من الشرع ، ولو كان الأمر كذلك لما كان هناك تجريم للردة عن الإسلام ، ولما وردت العقوبات الشرعية في حق المرتدين ، وإنما كل مقصودنا التريث وعدم التسرع في تكفير الأعيان قبل معرفة حالهم وهل لهم شبهات يعذرهم الله بها أم لا ؟ فمنْ علمنا أنه قد بلغته الحجة الشرعية ، ومع ذلك بقي على ما هو عليه من الأمور الكفرية فإنه يجب حينئذ تكفيره ، ومن لم تبلغه الحجة فإنه لا يحكم بكفره إذا كان مقرًا في الجملة بتوحيد الله عز وجل غير معرض عن شرع الله تعالى .

وقد قدَّمنا أن المعلوم من الدين بالضرورة أمر نسبي ، وقد يختلف من زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ، ونقلنا في ذلك عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ما يؤيد ذلك ، إلا أننا نقر أن هناك حالات يكون فيها الكفر بينًا ظاهرًا لا يتصور فيه جهل أو تأويل كمن سب الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو استهزأ بكتاب الله أو سنة رسوله أو بشيء من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة ، من غير إكراه ؛ فمثل هذا لا يحتاج أمره إلى بيان ؛ إذ إنه لا يتصور أن يكون الشخص مسلمًا وهو يسب الله تعالى أو يسب رسوله أو يلقي بالمصحف - وهو يعلم أنه مصحف - في بالوعة القاذورات ، ولذلك قال الله تعالى في شأن النفر الذين استهزؤوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه : " ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " فكفرَّهم القرآن الكريم بأعيانهم . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( إن سب الله أو سب رسوله كفرٌ ، ظاهرًا وباطنًا ، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلًا له ، أو كان ذاهلًا عن اعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء ، وسائر أهل السنَّة القائلين بأن الإيمان قول وعمل )([19]).

 ومن أمثلة هذا أني قرأت مؤخرًا كلامًا لأحد من يسمونهم بالناشطين السياسيين يستهزئ فيه بالدين الإسلامي ، ويدعو المصريين إلى ترك دين الإسلام والرجوع إلى ديانة الفراعنة التي يسميها ديانة حورس ، ويقول إنه ليس ملحدًا بدليل أنه يحج ويعتمر ، ولكنه يحج إلى معابد الأقصر ويعتمر عند أهرامات الجيزة في رحاب حورس على حد زعمه ، وهو يسخر من مناسك الحج ويقول ما نصه : ( يعني إنت شايف إن عادي إنك تلبس لبس عجيب وتدفع آلاف علشان تدور حولين مبنى مكعبي الشكل في مكة وتبوس حجر أسود وتجري ، بين جبلين ، وتقعد تحدف طوب ، زي العيال الصغيرين ، وفي الآخر مقتنع أن أنا اللي مجنون علشان باقول نحج للهرم ومعابد الأقصر ، ومن غير اللبس العجيب والطقوس العجيبة دي ) .

فهل صاحب هذه الأقوال يحتاج في الحكم عليه بالكفر إلى إقامة حجة وبرهان ، بل حاله أجلى وأوضح من كل بيان ، فإنه إذا لم يكن هذا الشخص كافرًا فما في الأرض كفر ، اللهم إلا إذا ثبت أنه مجنون قد رفع عنه التكليف .     
==========================================
[1] - مجموع الفتاوى: 23/345-346.
[2] - الأنعام:190.
[3] - الإسراء:15.
[4] - مجموع الفتاوى: 12/493.
[5] - البخاري (7416) ومسلم (1499).
[6] - شرح مسلم (5/392).
[7] - أخرجه البخاري (3481) ومسلم (2756) والنسائي (4/113) وابن ماجه (4255) من حديث أبي هريرة.
[8] - مجموع الفتاوى: 3/231.
[9] - الرد على البكري ص377.
[10] - طريق الهجرتين (ص: 414).
[11] - درء تعارض العقل والنقل(3/304)
[12] - الإسراء:15.
[13] - الزخرف:22.
[14] - الشرح الممتع (6/193).
[15] -  المائدة:93.
[16] - أخرجه عبد الزاق في مصنفه (17076) ومن طريقه البيهقي (8/316) عن معمر عن الزهري أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة وكان أبوه شهد بدرًا أن عمر بن الخطاب استعمل قدامة بن مظعون على البحرين فذكر القصة، وهذا إسناد رجاله ثقات كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على شرح الطحاوية ص:446.
[17] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 23/248.
[18] - النحل: 105- 106.
[19] - الصارم المسلول ص512.
اعلان 1
اعلان 2

شارك الموضوع

0 التعليقات :

إرسال تعليق